كيف تكون محترما؟

كيف تكون محترما؟
كيف يكون الانسان محترما؟ سؤال يلح في عالم يتغير بسرعة، وتتغير معالمه، ومعه تتغير المفاهيم، بما في ذلك مفهوم «الاحترام»، والاحترام كلمة مشتقة من «الحرام» والتحريم، وجذرها «حرم»، وهي كلمة ترتبط بالقدسية والتحريم، ومدلولها يعكس المحرّم الذي يجب عدم الاقتراب منه.
هل يكون الانسان محترما بشكله ومظهره؟ أي أن ملبسه يدل على درجة الاحترام التي يتمتع بها؟ لا ليس كذلك فلقد تعلمنا ورددنا كثيرا لعمرو بن معدِ كَرِبْ أن: الجمال ليس بمئزر فاعلم وان رديت بردا.. ولقنتنا الأمثال الشعبية أن: «الرجال مخابر وليست مناظر»، وأعتقد أن كلمة الرجال في هذا المثل تعني الذكور فقط، على اعتبار أن المناظر لا تقل درجة وأهمية عند المرأة عن المخابر، وكان في مثل هذه الأمثال عزاء ومواساة لمن كان شكله «مش ولا بد» من الرجال، بل قيل ان هذا المثل هو من اختراع «حزب الوسامة» ترفقا بحال أعضاء «حزب المش وسامة»، تماما مثلما اخترع الأغنياء أمثالا مثل «القناعة كنز لا يفنى»، ومثل «الغنى، غنى النفس» كي يخففوا من حقد الفقراء عليهم ويبعدوا عنهم عيون الحساد.
ولكن عدم الاهتمام بالمظهر وبالملبس قد يعكس لا مبالاة من ناحية، وعدم اهتمام بالنفس من ناحية أخرى، وبالتالي من لا يهتم بنفسه، لا يهتم به الآخرون، والمثل الشعبي يقول «كُل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس».
نستنتج ـ اذن ـ أن المظهر ليس دليلاً على أن المرء محترم، اذن لا بد أن العلم هو الدليل على أن الانسان محترم، فكم من آية في الذكر الحكيم تشيد بالعلم والعلماء، وكم من الأمثال تذكر أهمية العلم والعلماء، ألم نقل أن «العلم يرفع بيوتا لا عماد لها، وأن الجهل يهدم بيت العز والشرف»، أولم يقل الشاعر الشعبي أن: العلم في راس الفتى مثل القلادة، في عنق ريمٍ لابستها بالاعراس.
نعم، ولكن في المقابل كم من العلماء في عالمنا لا احترام ولا تقدير لهم، بل ولا قيمة لحياتهم، ألم يكن اغتيال فرج فودة عالم الزراعة والمفكر المصري المعروف على يد بياع «فجل»، ألم ينته المطاف بعالم كحسن خالد، وكمفكر مثل حسين مروة بالاغتيال، ألم يتعرض نجيب محفوظ للطعنات في عنقه، ألم يقل الشاعر «ذو جهل ينام على حريرٍ، وذو علمٍ ينام على التراب».
والعلم يورث التفكير، والتفكير دليل العقل، والعقل في عالم لا يقدره يكون عبئا وألما ومعاناة، فالعالم اضافة الى عدم التقدير لعلمه، يعيش معاناة التمتع بالعقل والمعرفة، وتلك معاناة نفسية لا يعيشها من لا عقل له، ألم نردد: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم».
لا يمكن للانسان أن يكون محترما بفرض الاحترام على الآخرين قسرا وجبرا، فعندها يكون مهيبا مخيفا، ولكنه لن يكون أبدا محترما في نظر الآخرين، فالاحترام يفرض نفسه، ولا يلزم المحترم الآخرين على احترامه الزاما فرمانيا، بل يوجبه بقوة سحرية غامضة وواضحة في وقت واحد.
لنعد ثانية الى التساؤل الأصلي «كيف تكون محترما؟». برأيي أن الاحترام يستمد بعضه من العناصر التي ذكرتها هنا، ولكن أكثره يفرض نفسه بنفسه، والمحترم هو من يحترم نفسه، ولدى الناس حدس آدمي لا يخيب الا نادرا، فهم يعرفون من يحترم نفسه، ويتجنبون التعرض لمن ينسجم مع نفسه ومع ما يقوله، وبنفس الدرجة من الحدس يمكن للناس أن يكتشفوا من لا يحترم نفسه ولو بعد حين، فالحرامي والحرمنة كلمتان مشتقتان من نفس جذر الاحترام، وربما عكست هذه العلاقة قدرة البعض على ايهام الناس بأنه محترم، بينما هو حرامي، فكم من حرامي بدا محترما، وكم من شريف محترم لم يلق الاحترام والتقدير. ومثلما الأفراد تكون القيادات والشعوب والأمم، فالأمة التي تحترم الانسان وتقدس آدميته، تحظى بالاصغاء والاستماع والاحترام حين تطرح ضرورة احترام حقوق الانسان، والدول التي تنتهك كرامة الانسان وتعصف بكيانه، لن تجد من يحترم رأيها ويستمع لها. المحترم من يحترم نفسه، ويكون صادقا معها، فيصدق معه الآخرون، أو أنهم يحترمونه ويقيمون له وزنا.

[list=1][*]