بسم الله الرحمن الرحيم
أقبل شهر الصيام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصيام فقال: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة:185] وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183] فالله تعالى كتب الصيام علينا كما كتبه على من قبلنا من الأمم،قال تعالى عن مريم الصديقة: ((فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً)) [مريم:26]
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ: {بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ}( )،فالصيام من أركان الإسلام الخمس،وقد فرض في السنة الثانية للهجرة النبوية فصام النبي @ تسع رمضانات إجماعًا.
والله تعالى لا يأمر بأمر إلا لمصلحة العباد الأخروية والدنيوية.وللصيام حكم كثيرة نذكر منها:
1. أن فيه تضييقا لمجارى الشيطان في بدن الإنسان فيقيه غالباً من الأخلاق الرديئة ويزكي نفسه.
2. فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها وترغيب في الآخرة
3. فيه باعث على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم
4. فيه تعويد النفس على طاعة الله جل وعلا بترك المحبوب تقربا لله.
5. الشعور بوحدة المسلمين حيث يصمون جميعا بترك الطعام والشراب والجماع قربة إلى الله جل وعلا، فتجد أن أخاك المسلم أقرب إليك من أخيك في النسب الذي هجر هذه العبادة العظمية.
وللصيام فضل ومنقبة عظيمة ويدل على ذلك أدلة فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: {سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُول: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا}.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ " عَنْ النَّبِيِّ غ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ( ).
ومن فضائل الصيام أن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك في الآخرة للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال رسول الله غ:..وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ( )
قال العز بن عبد السلام: مثل المجاهد يثعب جرحه دما؛ اللون لون دم والريح ريح مسك. ( )
والصيام اختص به الله تعالى؛ قال رسول الله غ:(قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به..) رواه البخاري، وعلة ذلك أن الصيام فيه سرية؛ وأن مداره على القلب. وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته، حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير.
واختص شهر رمضان بفضائل منها أن أبواب الجنة تفتح وأبواب النار تغلق فعن أبي هُرَيْرَةَ"قَالَ رَسُولُ اللَّه غ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ( ).
وأما حال رسول الله ص في رمضان فكان مميزا عن باقي الشهور فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ ب قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)( ).
إن لكل عبادة آداباً وأحكامًا. وهذه جملة من آداب الصيام قال رسول الله ص الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ - مَرَّتَيْنِ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا"( )
وقال ابن العربي:إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة
والرفث هو الكلام الفاحش وكذا الجماع، والجهل هوالصياح والسفه
ومن معاني الجهل الاعتداء على الناس لقول الشاعر: ألا يجهلن أحد علينا * فنجل فوق جهل الجاهلينا
و إن من الأحاديث التي تُرهّب من عمل الذنوب في نهار رمضان قوله ص: رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَر.
وقوله ص: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"( )، فمغبون من صام ولم يكتب له شيء من الأجر
عباد الله:
لابد لنا أن نصوم الصيام الكامل الذي يحبه الله جل وعلا فنمتنع عن الذنوب والمعاصي ونتقرب إلى الله تعالى بالطاعة قال غ:"لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك".
فلابد لنا من كثرة التسبيح والذكر قال تعالى:"أذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، وأعظم الذكر قراءة القرآن.
الحمد لله الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على إمام الناس أجمعين وبعد:
فسنذكر بعض أحكام الصيام:
1. النية، قال غ:"لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل"و النية تكون في القلب. ولا شك أن من تسحر فقد نوى، ومن خطر بقلبه أن صائم من الغد فقد نوى،وعلى المسلم ترك الوساوس. فإن كان يوم الشك - الثلاثين من شعبان - ونام قبل أن يعلم أنه من الغد رمضان أم لا علّق النية إن كان من رمضان فهو يومه ويوصي من يوقضه لاستحضار النية،ومثل هذا صيامه صحيح لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16].
2. ويبدأ الصيام بأذان الفجر الثاني،وإذا دخل الفجر يجب على الصائم الامتناع عن الطعام والشراب والجماع.إلا من كان في يده لقمه فلا حرج عليه من أن يتمها، أما ما يفعله بعضهم من الامتناع قبل عشرة دقائق أو أكثر فإنه خطأ وبدعة كما أفتى بذلك العلماء رحمهم الله.
3. و مما يستحب لصائم فعله السحور لقوله ص:"تسحروا فإن في السحور بركة"و كلما كان قريباً من الفجر فهو أفضل، ومما يستحب كذلك تعجيل الفطور ص"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور"
4. و السنة له أن يفطر على رطبات فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد فيحسوا حسوات من الماء،قال أهل العلم: من لم يجد فالأفضل أن يفطر على شيء حلو لم تمسه النار.
5. يستحب لمن رأى من يأكل في نهار رمضان ناسياً أن يذكره بصومه من باب التعاون على البر والتقوى.
عباد الله
هذا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النياران فاليشمر كل واحد منّا عن ساعد الجد ويجتهد في طلب مرضاة الله تعالى،ولن يخيب الله من دعاه.