أن تجلس إلى رمضان، وتتأمل أسراره وأحكامه أمرٌ محفز ومعين على الوصول لها، فكما أن المريض محتاج إلى معرفة علته ليعرف شفاءها، فالصحيح محتاج إلى معرفة شفائه ليحافظ على صحته.
هذه وقفات تربوية من أسرار الصيام،استنباطاً لحكمه، ووقوفاً مع درره، فمن تأمل الصيام وأن الله جعله الركن الثاني من أركان الملة، وشرعه على جميع الأمم ولم يخصنا به ولا أهل الكتاب من قبلنا كما هو الشأن في بعض الأحكام، فدل ذلك على أن به من الفوائد التي تعود على الإيمان والحياة ما يستحق النظر والتأمل.
الفائدة الأولى:
الصيام وسيلة لحصول التقوى لقوله تعالى (لعلكم تتقون ) فمن صام الصيام الشرعي وحفظ جوارحه من خدش الصيام، وأدرك معاني الصوم فقد عاش التقوى وتحققت له، فالتقوى بمعناها العام أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، ولا يكون هذا إلاّ باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والمسلم الصائم متبع لأمر الله له بالصوم ومجتنب لنهي الله له عن المفطرات بأنواعها، فإذا كان ذلك بنية صالحة وعلى منهاج النبوة أفلح بتقواه لله.
الفائدة الثانية:
في رمضان بيان لرحمة الله سبحانه، ويتضح هذا من وجوه:
أ ـ جعل الله الصيام أياماً معدودة، ولم يفرضه سرمدياً أبدياً.
ب- جعله جزءاً من يوم ولم يفرضه يوماً كاملاً ليله بنهاره، بل ثبت النهي عن مواصلة الصوم.
ج- من نسي فأكل أو شرب فصومه صحيح مع أنه ناقض معنى الصيام.
د- تخفيفه الصيام على مراحل في بداية التشريع مراعاة لحال الصحابة رضي الله عنهم.
الفائدة الثالثة:
في رمضان يتجلى كرم المولى سبحانه وتعالى، ويتضح ذلك بأمور:
أ- فيه تُفتح أبواب الجنة.
ب- فيه تُغلق أبواب النار.
ج- فيه تُصفّد مردة الجن.
د- اختصاص الله بأجر الصائم في قوله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
هـ- "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
ح- "رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إذا اجتُنبت الكبائر".
و- "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه".
ط- لا ينقص أجره ولو نقص الشهر لقوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ...".
ز- "من قام رمضان مع الإمام حتى ينصرف كُتب له أجر قيام ليلة".
وكل ما مضى ثابت في الأحاديث الصحيحة.
الفائدة الرابعة:
رمضان مدرسة للاختبار،حيث يمسك الصائم عن الأكل والشرب والشهوة، وهذا اختبار من الله للعبد بصبره وبعبادته وتركه ما نهاه الله عنه لوجهه سبحانه، وتحمله الأوامر وقيامه بها، فرمضان اختبار للإيمان وللنية وللصبر، وبمعنى أعم اختبار لحقيقة إسلامه واستسلامه لله؛ لأن الحياة بالنسبة للمؤمن كلها اختبار، ولحظاتها مجاهدة بين نفسه الأمارة بالسوء وواعظ الله في قلب كل مؤمن، فمن وطّن نفسه على اختبار الصيام، وأدرك أسراره، وذاق لذة النجاح فيه عرف نتيجة الاختبار في باقي شؤون الحياة.
الفائدة الخامسة:
رمضان يورث محبة الله في قلب المؤمن، فإنه إذا رأى كرم ربه وجزيل عطاياه في رمضان، زادت محبته سبحانه، والمحبة ركن في الإيمان وهي أساس الأعمال، فيقبل المؤمن على العمل محباً له متمسكاً به متقناً لأدائه، ففي رمضان يتكرم المولى بالمغفرة لمن صام ولمن قام وفطر صائماً، والحسنة تُضاعف فيه ما لا تتضاعف في غيره، واختص الله بأجر الصائم دون غيره، وما ذاك إلاّ محض فضل منه سبحانه وتعالى.
الفائدة السادسة:
مجرد معرفة أن الصوم كتب على الأمم من قبلنا فهذا دليل على آثاره العظيمة وفوائده على الإيمان والإنسان والمجتمع، ويدل على ذلك أن الله لم يفرضه علينا وعلى أهل الكتاب من قبلنا فقط بل قال: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) ليشمل جميع الأمم، وشيء بديهي أن أمراً يُفرض على تلك الأعداد الهائلة من الأمم فيه من الأسرار والحكم والفوائد ما يستحق ذلك التعظيم والوقوف.
الفائدة السابعة:
رمضان تربية للجود بجميع أنواعه:
أ ـ جود المال: ففيه الحث على الصدقة وتفطير الصائمين والإنفاق وتعهد الأرامل والمحتاجين.
ب ـ جود الوقت: ففيه نفع المسلمين والمشي في حاجاتهم والقيام على شؤونهم.
ج- جود الذات: ففيه بذل الجاه عند الأغنياء وأصحاب اليسر ابتغاء الأجر من الله.
د- الجود ببذل الأعمال الصالحة: فيفعل الصالحات، وينوع العبادة ما بين فرض ونفل وصلاة، وصدقة وقرآن وتفطير، وإمامة وأذان وقيام على حاجات الناس، وإنفاق وكلمة وخطبة وهكذا.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، أجود بالخير من الريح المرسلة، كما ثبت في الحديث الصحيح.
الفائدة الثامنة:
رمضان يربي الناس على تجديد النية والاحتساب، ويُؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً " فجاء رمضان يؤكد قضية النية وتجديدها في الصيام وفي السحور وفي الإفطار، فيتربى المسلم على تجديد النية في الأمور الإيمانية والعبادات بل حتى في الأمور العادية من أكل وشرب، ولا يخفى أثر النية على الأجر المترتب على العمل وعلى النفع به في الدنيا.
الفائدة التاسعة:
في رمضان ربط للناس بكتاب ربهم سبحانه، وهذا من وجوه:
1 ـ أن القرآن نزل في رمضان.
2 ـ أن جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كاملاً في رمضان.
3 ـ في السنة التي توفي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- دارسه جبريل عليه السلام مرتين.
4 ـ قيام رمضان يُتلى فيه القرآن، والسلف رحمهم الله كانوا يختمون في القيام.
فتزداد صلة المسلم بكلام ربه قراءة وسماعاً وتأملاً وتدبراً، فيزداد لذلك إيماناً وتقى وصلاحاً.
الفائدة العاشرة:
رمضان يربي الناس على تدارس القرآن وتدبره، وهو معنى أخص من مجرد قراءته، فيعيش المسلم بين آيات القرآن وقصصه ووعده ووعيده، فتدمع عينه تارة ويلين قلبه تارة أخرى، يرى الأمم الماضية حاضرة عنده، ويعيش مع الأنبياء صبرهم ونصحهم وابتلاءهم، ويستنبط الأحكام ويستفيد الفوائد، ولذلك كان جبريل يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان كل ليلة".
الفائدة الحادية عشرة:
في أحاديث رمضان من السنة النبوية تأصيل لمنهج أهل السنة والجماعة في الإيمان، وأن الأعمال من الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً" فيحرص المسلم على الأعمال؛ لأنها ركن من أركان الإيمان.
الفائدة الثانية عشرة:
فيه عظم أثر الإخلاص، فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، وصام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، فما أعظم أثر الإخلاص على الإنسان حيث يبلغ بعمله -وإن كان قليلاً- المنازل العليا.
الفائدة الثالثة عشر:
في رمضان حث للناس وزرع لروح المسابقة في الخيرات وميادينها؛ ففي رمضان تفتح مجالات الخيرات، وميادين المشاريع الإيمانية، وتكثر أبواب الخير، فيبقى على الناس التنافس والمسابقة تطبيقاً لقوله تعالى: ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ). [آل عمران:133].
فأهل الغنى بأموالهم، وأهل العلم بتعليمهم وفتاواهم، وسائر الناس بعباداتهم وختمهم لكلام ربهم وقيامهم وصلاتهم، حتى على مستوى الأسرة يتنافس الأفراد فيما بينهم على التسابق على ختم القرآن كما هو ظاهر في أكثر البيوت ولله الحمد، ومن حكمة الله أن جعل شعب الإيمان متعددة حتى تناسب الفروق الفردية بين الناس.
وليست ميادين الأعمال الصالحة وتعددها خاصة في رمضان بل الحياة الدنيا كلها مجال للتنافس والتسابق في الخيرات، لكنها في رمضان بشكل مكثف وظاهر.
الفائدة الرابعة عشر:
في العمل الواحد في رمضان يختلف الناس ففي قوله صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيماناً واحتساباً"، ومعلوم أن الإيمان يختلف زيادة ونقصاً في قلوب الناس، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في أعمال القلوب وقوتها وضعفها، فكلما كان القلب أمكن في الأعمال القلبية علت مرتبة صيامه وقيامه.
وتعليق الأجر بالإيمان والنية يجعل الشخص يحرص أشد الحرص على كمال الإيمان والنية في قلبه حتى يعظم له الأجر.
الفائدة الخامسة عشرة:
في رمضان تجتمع أركان الإيمان الثلاثة:
أ ـ قول القلب: وهو التصديق به والإيمان الإجمالي بالصيام، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "من صام رمضان إيماناً".
ب ـ عمل القلب: وهو الاحتساب المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم "احتساباً".
ج- عمل الجوارح: ويكون ذلك بصيام الجوارح عن المفطرات الحسية والمعنوية.
ولأجل ذلك أصبح ركناً من أركان الإسلام الخمسة كما ثبت في السنة النبوية.
الفائدة السادسة عشرة:
يتبين من خلال الأحاديث التي فيها مشروعية الصيام منزلة الفرائض من النوافـل، فأحب الأعمال إلى الله الفرائض وأعلاها أركان الإسلام، ويظهر هذا من خلال ما يلي:
قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما سأل عن الصيام قال: وصيام رمضان، قال: هل عليّ غيره؟قال: لا إلا أن تطوّع".
فمن كمال الفرائض أن الاقتصار عليها يجزئ وتبرأ به ذمة الشخص، ومن كمالها كذلك أن النوافل لا تُقبل ما لم تُؤدّ الفروض، فما عذر من حرص على النوافل والمستحبات وتهاون وفرّط في أركان الإسلام.
الفائدة السابعة عشرة:
شفقة النبي ورحمته لأمته، فقد قام ليلة من رمضان، يصلي فصلى بصلاته ناس ثم صلى في الليلة الثانية والثالثة، فلما كانت الرابعة لم يخرج إليهم وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم.
فصلى الله عليه وسلم، وجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، فإذا قام المسلم تذكر غيابه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة عن القيام مع حرص الصحابة -رضي الله عنهم- كل ذلك شفقة بهذه الأمة، وهذا يورث محبته ومحبة سنته والتمسك بها، والشفقة والرحمة بأمته.
الفائدة الثامنة عشرة:
في رمضان تربية على عبادة قيام الليل وهي تجمع عدة فضائل:
أ- قراءة القرآن.
ب- كونها في الثلث الأخير من الليل.
ج- قراءة الليل أشد وطئاً وأقوم قيلاً.
هـ- نور في الوجه.
د- أقرب لاستجابة الدعاء.
فمن استمر عليها وداومها أدرك قدرها وسرها، ونظراً لمشقتها شرعت جماعة في رمضان ليكون أسهل على القيام بها والتعاون لأجلها.
الفائدة التاسعة عشرة:
رمضان يربي في النفس الإكثار من الأعمال الصالحة، فما من عمل إلاّ وهو مضاعف في رمضان لأضعاف كثيرة، فمن صلى مع الإمام حتى ينصرف يُكتب له قيام ليلة، وعمرة في رمضان كحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فطر صائما فله مثل أجره، والتسبيحة عن ألف تسبيحة في غيره كما قال الزهري.
فإذا تذكر ذلك المسلم حرص على الإكثار من الأعمال الصالحة والتزود منها خاصة إذا علم أن تكرر فرصة رمضان قادم هي من علم الغيب التي اختص الله بها؛ فيورثه ذلك اغتنام الأعمال الصالحة.
الفائدة العشرون:
رمضان يربي في النفس التكيف على التغير، فإذا جاء رمضان يحدث تغير حتى في العالم الغيبي فمثلاً:
أ ـ الجنة تتغير فتفتح أبوابها.
ب ـ النار تتغير فتغلق أبوابها.
ج- مردة الشياطين تتغير فتُصفد وتُسلسل
فيبقى بعد ذلك الإنسان المسلم المفترض أن يتغير إيماناً وسلوكا وعبادة وقلباً، فيتعلم حسن الأخلاق وحسن أداء العبادة والصبر والإحسان إلى الناس وخدمتهم والتمسك بالفرائض واتباعها بالنوافل، فيخرج رمضان، وقد تغير إيمانه وخلقه وصفاته وسلوكه.
الفائدة الحادية والعشرون:
تشريع رمضان لهذه الأمة فيه مدح لها وميزة وتشريف، حيث لم يكفلها الله بالحساب لمعرفة دخول الشهر وخروجه بل غاية المطلوب رؤية الهلال، فمتى رؤي الهلال صام الناس، وإلاّ أكملوا شعبان ثلاثين يوماً من دون تكلف وتعسف وتدقيق وحساب.
وهذه طريقة يعرفها حتى الأعرابي، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب".
أي ليس في ديننا تكلف فلا نكتب وندقق ونحسب متى نصوم؟ ومتى نفطر؟ بل الأمر يسير جداً فإذا رأينا الهلال صمنا، وإذا لم نره أكملنا شعبان.
فالحمد لله الذي شرف هذه الأمة حتى في أحكامها وتشريعها.
الفائدة الثانية والعشرون:
في رمضان تربية للأمة على الوحدة والاجتماع وعدم التفرق، فتصوم الأمة كلها إذا رأوا الهلال، ويفطروا جميعاً إذا غربت الشمس، كل ذلك ليتعود الناس رغم المسافات بينهم على الوحدة ويعرفوا ثمرتها وفائدتها.
حتى إذا انسلخ رمضان سعى الناس للوحدة في الكلمة والهم والهدف والغاية، وليست هذه الفائدة محصورة على الصيام بل جميع مظاهر التشريع خاصة أركان الإسلام تدل عليها وهي مقصد من مقاصد الشريعة.
الفائدة الثالثة والعشرون:
رمضان يربي الإنسان على التحكم بعواطفه، وتسييرها كما يريد الشرع لا كما تريد النفس؛ فالله منع الصائم من الأكل والشرب والشهوة لا تعذيباً له، بل ليتعلم كيف يترك الشيء لله رغم منازعة الهوى له، وحتى نعلم قدر هذه الفائدة، فإن منازعات الناس وخصوماتهم و حالات الطلاق والقتل و الاعتداء و الاختلاف والتفرق ما كان كل ذلك ليحدث لو قدر الشخص على التحكم بعاطفته ومحبته وبغضبه، وجعلها تحت حكم الشرع وليس النفس والهوى، فجاء الصيام ليعطي الإنسان درساً عمليا في هذا الجانب.
الفائدة الرابعة والعشرون:
رمضان يربي الناس على الاتباع وموافقة الشرع، ويؤيد هذا:
أ ـ لا يفطر الصائم إلاّ إذا أذن له الشرع وذلك بغروب الشمس.
ب ـ لا يمسك الصائم إلاّ إذا أذن له الشرع وذلك بأذان الفجر.
ج- يمتنع الصائم عن المباحات امتثالاً لأمر الشرع.
فيتربى الناس على تتبع أوامره والتقيد بها وتنفيذها على حدود ما رسمه لنا، ويعني هذا سلامة أفعالنا من البدع والانحراف وضمان ذلك، فإنه من المتقرر أن الله أكمل لنا الشرع من جميع جوانبه وأحكامه وآدابه.
الفائدة الخامسة والعشرون:
رمضان يربي الناس على عدم الزيادة أو النقص مما حدده الشرع لهم، فقد حدد الشرع رمضان بشهر واحد، وذلك لا يجوز الزيادة عليه، فحرم صوم العيد، وحرم على الصحيح التقدم على رمضان بيوم أو يومين ما لم يكن عادة، وكذلك الإفطار حدده بغروب الشمس، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا الفطر إلا أن تشتبك النجوم ".
الفائدة السادسة والعشرون:
في رمضان يظهر أثر العبادة على الناس سواء في حياتهم أو أخلاقهم أو سلوكياتهم فتنعدم المخاصمات وتقل المشاجرات على مستوى المجتمع وحتى الأسرة الواحدة بل الحياة الزوجية أيضاً، وهذا ثابت بالاستقراء وما ذلك ـ والله أعلم ـ إلاّ لأن القيام والصيام والصلاة والأعمال الصالحة أثرت في حياة الناس فرزقوا الطمأنينة والسكينة والوقار، ويدل هذا على أنه من وسائل إصلاح المجتمعات نشر الوعي الديني عندهم وربطهم بالله سبحانه، وإذا تقرر عند السلف أنه ما من سنة تندرس إلاّ ويخرج بدلها بدعة، فمن لازم القول أنه ما من فساد اجتماعي وأخلاقي إلاّ بسب معصية الله سبحانه، نسأله التوبة والعفو والمغفرة.
الفائدة السابعة والعشرون:
رمضان وفضائله تعوّد الصائم على حفظ الوقت من الضياع، وهذا من مقاصد الشرع العظيمة، ففي رمضان يحرص المؤمن على استغلال وقته بالطاعات ويحذر من الملهيات والمعاصي، وفي ذلك تربية له على اغتنام عمره بما ينفعه عند الله، ولو كان حرصنا على أوقاتنا كما نكون في رمضان لتبدلت أحوالنا، والله المستعان.
الفائدة الثامنة والعشرون:
رمضان يربي المسلم على حسن الأخلاق لقول صلى الله عليه وسلم: "فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: أني صائم".
فعلّمه الصيام كيف يمنع نفسه عن الغضب وآثاره المرة؟ وأن يترفع عن البطش والسفه ومماراة الجاهلين، ومعاندة المستكبرين، وفاحش الأقوال، وسيئ الأفعال، فليس القصد من قوله "إني صائم" الرياء، وأن يخبر الناس، وإنما القصد أن يبين للطرف المقابل الذي ينتظر الرد أنه متلبس بعبادة تمنعه عن السفه والغلط، ويحتمل أن يكون المراد تذكير نفسه بأن عبادتي وصيامي ترفعني عن أفعالك وجهلك.
وفي ذلك أيضا إخماد نار الفتنة فإن كل معتد إذا لم يلق استجابة ومقابلة ستنطفئ ناره كما هو معروف من أحوال الناس، وبهذا يكون الشرع حفظ الطرفين المتخاصمين:
الأول: بأمره بالترفع عن أفعال الجاهلين.
والثاني: بقطع جميع ردود الأفعال عنه، فلا تجد ناره من يزيدها اشتعالاً.
الفائدة التاسعة والعشرون:
من صام فإنه يتربى على حفظ اللسان عن فاحش الكلام، ومن حفظ لسانه سلمت له أعماله ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح أحدكم صائماً فلا يرفث و لا يصخب".
والرفث والصخب: هو فاحش الكلام الذي لا يليق بالمؤمن المتقي لربه سبحانه.
الفائدة الثلاثون:
في رمضان يتربى المسلم على البكاء من خشية الله، والخشوع له وحده، ولقد حث " النبي صلى الله عليه وسلم على البكاء في حال سماع القرآن، فإن لم يبكِ فليتباكَ". رواه ابن ماجه.
وهذا تربية للمسلم على الخشوع لله والخشية له، وذلك من أعظم أعمال القلوب.
الفائدة الحادية والثلاثون:
في رمضان وأحكامه تظهر سماحة الشريعة الإسلامية وفضل دين الإسلام، ويؤيد هذا:
أ ـ من نسي فأكل أو شرب فلا شيء عليه.
ب ـ وقت الإمساك قليل بالنسبة لباقي الوقت.
ج- رمضان شهر واحد بالنسبة لبقية السنة.
د- المسافر له الفطر.
هـ - كل من أحتاج للفطر أفطر ولا إثم عليه.
وهذا يؤكد أن رمضان لم يُشرع لتعذيب النفس بل لمقاصد عظيمة، ويؤكد كمال هذا الدين العظيم وأنه خير الأديان وختامها.
الفائدة الثانية والثلاثون:
أجمع أهل العلم على أن الصبيان يُؤمرون بالصيام ليتعودوا، وهذا تربية لهم من وجهين:
أ ـ تربية لهم على تعوّد العبادة.
ب ـ تربية لهم على حمل المسؤولية، وأن عليهم ما على الكبار وأنهم جزء من المجتمع.
الفائدة الثالثة والثلاثون:
الصيام يربي الإنسان على الصبر بنوعيه:
أ- الصبر على الطاعة.
ب- الصبر عن المعصية.
فيتعلم المسلم الصبر على طاعته لله من أداء للواجبات والمستحبات من صيام وصلاة وغيرهما، وبالمقابل يتعلم الصبر عن المحرمات والمكروهات من المفطرات وسائر المحرمات، ولو نازعته نفسه ودعاه هواه.
الفائدة الرابعة والثلاثون:
الصيام يجمع روح التآلف بين أفراد المجتمع المسلم، فتجدهم يصلون جماعة، ويسن تفطير بعضهم لبعض، ويطعم أغنياؤهم فقراءهم، وهذا له أكبر الأثر على تعاونهم وإزالة البغضاء بينهم وتوادهم وتحابهم وتعاطفهم، وإذا كانت بعض المبادئ العصرية اليوم تربي على الوحدة فالإسلام يربي أفراده على التراحم والتعاطف زيادة على ذلك، وهذا لا يُدرك بقانون مادي بل بدين سماوي.
الفائدة الخامسة والثلاثون:
يزرع في نفوس الأغنياء الشعور بأهل الفقر والحاجة، ومعرفة ما يقاسونه من ألم الجوع وحر العطش، فيشعر الجميع بآلام الجميع، ويحسونه من أنفسهم، وهو ما نستفيده من الصيام، فيكون ذلك مراعاة للإنفاق والعطف عليهم والالتفات لهم.
الفائدة السادسة والثلاثون:
رمضان يربي في نفس المسلم الانتصار بمعناه العظيم، فيتعلم المسلم الانتصار على شهوة الأكل، والبطن والفرج ووسائلها من نظر وتفكير، وهذا أول خطوة في طريق الانتصار والمجاهدة.
الفائدة السابعة والثلاثون:
بالصيام يتعلم المسلم كيف يقهر نفسه وهواه؛ لأن طاعة النفس والهوى أساس المعاصي و الذنوب، فما عُصي الله إلاّ بطاعة الهوى، فجاء رمضان ليدرب المسلم على ترك ما تهواه نفسه وتنازعه عليه، وعلى أن يقهر نفسه، فيذوق حلاوة ذلك، فنفس الصائم تشتهي الطعام بمقتضى الفطرة، ويزين له الشيطان شهوته، وقد يضع له الحيل لذلك، فيأتيه إيمانه فيقهر شهوته ومنازعته، ويحول بينه وبين حرمات الله، فعند ذلك يقود زمام نفسه حيث يريد الله، ولا تقوده نفسه حيث يريد الشيطان.
الفائدة الثامنة والثلاثون:
الصيام يكسر شهوة البطن و الفرج، ويعود المسلم على أن الصبر على الجوع أهون من أكل الحرام، وأكثر ما يدخل الناس النار البطن والفرج.
الفائدة التاسعة والثلاثون:
في رمضان إثبات لحكمة المولى سبحانه وتعالى الذي يخلق ما يشاء ويختار، فقد خلق شهور السنة، واختار واصطفى رمضان، فالحمد لله على علمه و حكمته، والحمد لله الذي فضّل نبينا على الأنبياء، وكتابنا على سائر الكتب، وديننا على جميع الأديان، وبناء عليه فأمتنا أفضل الأمم.
الفائدة الأربعون:
رمضان مدرسة ليتعلم الناس فيها نفع الغير، وتقديم المساعدة لهم و الإحسان عليهم، ففي رمضان تكثر مشاريع الإفطار والصدقات والهدايا والهبات، ويتسابق الناس في البذل والعطاء، وهذا درس عملي ميداني للنفع، مما هو مقصود للشرع؛ فإن الشرع يسعى أن يتعاون المؤمنون فيما بينهم، ويخدم بعضهم بعضاً، والمجتمع الإسلامي اليوم أحوج ما يكون لأن يتدرب أفراده على ذلك.
الفائدة الحادية والأربعون:
رمضان يربي الأمة على عبادة الدعاء؛ فالصائم دعوته لا تُردّ، ويُسن في الوتر الدعاء، وورد عن بعض السلف الدعاء عنــد ختـــم القرآن؛ فهــذا له أثر في بث رسالة الدعــاء في الأمة، وتعلم فنونــه وأوقاتــه وآدابـه لحاجــة المسلـم والمجتمع الإسلامي له.
الفائدة الثانية والأربعون:
رمضان يربي في النفس الخلوة مع الله؛ فالاعتكاف من سنن رمضان، وخلاصته التفرغ لعبادة الله والخلوة به، ومن خلا بربه واستأنس به صح إيمانه، وأورثه ذلك المحاسبة.
فيتربى المؤمن على الخلوة بالله والأنس به واستغلال أوقات الخلوات بالعبادات والطاعات.
الفائدة الثالثة والأربعون:
رمضان يربي الناس على عبادة الصيام، فمن صام رمضان سهل عليه إتباعه بست من شوال والاثنين والخميس وعرفة وعاشوراء وشهر الله المحرم، وهكذا لا يزال المسلم يستمر على عبادة الصيام حتى يُدعى من باب الريان بإذن الله.
الفائدة الرابعة والأربعون:
رمضان يربي في النفس التعلق بمولاها والرجوع إليه والالتجاء إليه وحده؛ فيدعو المسلم ربه، وربه يغفر له ويستجيب، فمن يغفر الذنوب إلاّ الله؟ فمن عرف ذلك وأدركه زاد تعلّقه بربه.
والتعلّق بالله أساس العقيدة، فمن تعلق به صرف له نذره وخوفه وعبادته وذبحه ودعاءه وجميع أموره.
الفائدة الخامسة والأربعون:
رمضان شهر تنتصر فيه الأمة بكاملها على ألدّ أعدائها عدو الله والمؤمنين إبليس، ففي رمضان:
1- تُصفّد الشياطين.
2- يُعان الإنسان على فعل الخيرات.
3- يضيق على مجرى الشيطان من الإنسان في العروق.
4 ـ رمضان إلى رمضان يكفر الله به السيئات التي كانت من وسوسته فيضيع جهده هباء منثوراً.
وبهذا يعود الأمل للمؤمن وللأمة في قرب الله منهم، وتأييده لهم، وضعف عدوهم وهوانه على الله، فتصح عزائمهم، وتقوى هممهم على فعل الخيرات، ولا تكون الذنوب وانتصار الشيطان عليهم يوماً من الأيام محبطاً لهم، ومقنطاً من رحمة الله.
الفائدة السادسة والأربعون:
للصيام آثار صحية، يعرفها أهل التخصص، ويحس بها عموم المسلمين، ويكفي أن أذكر بعض المراجع:
1 ـ من الأسرار الطبية للصيام للدكتور/ أحمد عبد الرؤوف هاشم.
2 ـ رمضان والطب للدكتور/ أحمد عبد الرؤوف هاشم.
3 ـ أصول الطب الشرعي وعلم السموم للدكتور/ محمد أحمد سليمان.
الفائدة السابعة والأربعون:
رمضان يربي في نفس المسلم إحسان الظن بربه، فمن تأمل أحاديث فضائل رمضان أحس بقرب المغفرة، ودنوّ الرحمة وسهولة إدراكها، وحسن الظن من مسائل العقيدة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن بربه".
وحسن الظن بالله يجعل المسلم يعمل بيقين وثبات، متفائلاً بدعوته ومستقبله، لا يجعل من الأوهام عقبات بينه وبين الخير، ولا يلتفت لخذلان المخذلين، فتح الله له الأمل وأمره بالتعلق به وحده، فلا يرده وهم، ولا يوقفه ظن من الظنون.
الفائدة الثامنة والأربعون:
رمضان يكسر الكبر في القلوب، فمن افتخر بعبادته، واغتر بأعماله جاءه رمضان ليخبره أن هناك من ينافسه على فعل الخيرات، بل ويسبقه، فترى الأعداد الهائلة تصف أقدامها في الجوامع والمساجد، فيستصغر الإنسان نفسه أمام تلك الأعداد، فإذا سمع بكاء الباكين ولم تدمع عينه أيقن أن لله عباداً لا يملكون أعينهم إذا سمعوا كلام ربهم، فيرثي حاله، فإذا ختم القرآن مرة فليعلم أن هناك من ختمه ستين مرة، فأين هذا من هذا؟
ولا يزال المؤمن حي القلب ينظر لغيره بعين الإكبار والتقدير والاحترام، ويرجع لنفسه فينظر لها بحقيقة أمرها مما هي فيه من التهاون والتفريط، وهذا من مقاصد الشرع.
الفائدة التاسعة والأربعون:
يربي الصيام في الإنسان أعمال السر والحرص عليها، فالصيام عبادة في حقيقتها سرية، فيتعود المسلم على أعمال السر والمحافظة عليها، ولا يستغني المسلم عن الأعمال السرية التي لا يطّلع عليها إلاّ الله سبحانه وتعالى، فإنها تزيد الإخلاص وبرهان حقيقة الإيمان، وكان السلف يقولون: "ليكن بينك وبين الله خبيئة".
الفائدة الخمسون:
الصيام يربي في المسلم مراقبة الذات، بأن يكون عليه رقيب من قبل نفسه فينشأ بعد ذلك بينه وبين حدود الله وقاية، وهذا يجعله يترقى في منازل الإيمان، إلى أن يصل للإحسان بأن يعبد الله كأنه يراه، فإذا كان له مراقب من نفسه صار أبعد ما يكون عن انتهاك حرمات الله.
وتربية النفس على مراقبة ذاتها يجعل هناك حصانة تقوى مع الأيام، وتزداد قوة فإذا عرضت عليه المعاصي سهل عليه مجاهدتها، بل يستلذ تركها خوفاً وحياء من الله.
وهذا مرتبط باسم الله "العليم والسميع واللطيف والخبير"، وغالب الأسماء الحسنى والصفات العلا تربي المؤمن على مراقبته لذاته لاطلاع الله عليه.
الفائدة الحادية والخمسون:
في الصيام تظهر آثار أسماء الله وصفاته، فمثلاً:
ـ الغفور تظهر آثاره بمغفرة الذنوب.
ـ التواب تظهر آثاره بقبول التائبين.
ـ العفو تظهر آثاره بالعفو عن المذنبين.
ـ الحكيم لحكمته باختيار رمضان وتفضيله على سائر الشهور.
ـ العليم فهو الذي يعلم بحقيقة صوم الإنسان من عدمه.
وهكذا بقية الأسماء الحسنى، فإذا تأملها المؤمن أورثته من الإيمان ومحبة الله ما يعرفه أهل هذا الشأن.
الفائدة الثانية والخمسون:
رمضان يربي في الناس علو الهمة على التنافس في الخيرات، والمسابقة في الصالحات، ويظهر هذا في بداية رمضان فإنك تجد همم الناس عالية، وأنفسهم لديها الاستعداد للجد في العبادة، فيخطط بعضهم بأن يختم القرآن أكثر من مرة، والآخر بأن يقوم الليل، والثالث بالاعتكاف، وعلو الهمة يجعل الشخص لا يستثقل العبادة ولا يرضى دون السير على طريق السلف.
الفائدة الثالثة والخمسون:
رمضان يعوّد الناس على حياة التقشف والاكتفاء بالقليل، فيكفيه طوال يومه طعام أكله في وقت السحر، وقلة تنعم الناس لها دور في طرد الكبر والبطر والتبذير والإسراف عن المجتمع، ولها أثر على القلب كما ورد عن السلف في ذلك، ومن تأمل حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهر له ذلك؛ فقد خير بين أن يكون عبداً رسولاً أو ملكاً نبياً فاختار أن يكون عبداً رسولاً، ويمر الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، ومات صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من الدقل وهو من التمر الرديء.
ولا تُقاس الأمم والحضارات بمظاهر الترف والغنى ومستوى الدخل، بل القياس على ما يوجد في قلبها من عبادة وانكسار لربها وقيام بما يريد، وبما تحمله من قيم وما تمارسه من أخلاق وسلوك وما تتبنى من أفكار.
الفائدة الرابعة والخمسون:
رمضان مدرسة لاقتناص الفرص، والحذر من ضياعها؛ ففي رمضان فرص عديدة جاءت الأدلة لحث الصائم عن اقتناصها لأجل أن يعتاد على ذلك، ففي رمضان فرصة ليلة القدر، وفرصة القيام وختم القرآن وتفطير الفقراء، فيعلم المسلم أن الفرصة إذا فاتته لا ترجع؛ فيهتم لها، ويستعد؛ فيتربى المسلم على تتبع الفرص على مدار العام.
الفائدة الخامسة والخمسون:
إخفاء ليلة القدر في رمضان على المسلمين ليتربوا على الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع فيها، وتحري مظانّها، ففي العشر الأواخر يتحرى المسلم ليلة القدر ويلتمسها، ومن صدق في تحريه التمسها في جميع العشر؛ ففي كل ليلة من ليالي العشر يصلي ويقوم ويدعو ويقنت، وفي الجمعة يبحث عن ساعة الإجابة ويتحرى ويطيل الدعاء لعله يوافقها، ويتحرى الثلث الأخير من الليل، وهذا له دور على عبادة الإنسان ودوام طاعته.
الفائدة السادسة والخمسون:
رمضان جاء ليعطي المؤمن زيادة في إيمانه وأعماله، فمن قامه وصامه واجتهد أثر هذا على سائر الشهور المقبلة، وواقع الحال يدل على ذلك.
الفائدة السابعة والخمسون:
المفطرات في رمضان تدل على أن الذنوب عند الله بعضها أعظم من بعض، ومن هنا كان جزاء من استقاء القضاء فقط، لكن من جامع في نهار رمضان فاعتاق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
ولو علم الزاني والعاق لوالديه والقاطع لرحمه والشارب للخمر عظم هذه الذنوب وخطر ما ورد عليها من تهديد ووعيد لأصبح ذلك زاجراً له، وهذا واعظ الله في قلب كل مؤمن.
الفائدة الثامنة والخمسون:
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وحال الأمة في زمانه يؤكد أن رمضان شهر عمل وجد وجهاد؛ فغزوة الفتح كانت في رمضان، وكذلك حنين، وإذا دخلت العشر أيقظ أهله وشد مئزره وأحيا ليله، وقام ليلة من الليالي في المسجد، واجتمع معه أناس من أصحابه رضي الله عنهم، وفي الليلة الثانية كذلك والثالثة أيضاً، واجتمعوا هم في الليلة الرابعة، فكان هناك جد وعمل ونشاط ، فلا ينبغي أن يكون رمضان شهر نوم وكسل وخمول كما هو حال الكثيرين اليوم، يتثاقل الطلاب عن الدراسة والموظف عن العمل، ويسهر في الليل لينام في النهار، والله المستعان.
الفائدة التاسعة والخمسون:
رمضان يربي المسلم على فقه الأولويات؛ ففي رمضان تتزاحم الأعمال، فيقدم المسلم أهمها بالنسبة إليه، ومن هنا تواتر أهل العلم على ترك الدروس في رمضان تقديماً لغيرها عليها في رمضان.
ونحن اليوم أشد ما نكون حاجة لفقه الأولويات؛ فحتى على مستوى إنكار المنكر هناك أولويات يجب أن تُراعى، وذلك مبني على العلم الشرعي، فأحياناً في رمضان يقدم الإنسان نفع المسلمين بعمل عام كالإفطار على العمل الخاص كتلاوة القرآن، لا من باب الكسل، ولكن تقديماً لما قدمه الشرع في تلك المسألة.
الفائدة الستون:
رمضان يربي الناس على فقه الاختلاف؛ فتجد الهلال على بلد قبل بلد، والشمس تغرب في بلد بعد بلد وهكذا، فمن وُجد عندهم سبب الصيام من رؤية للهلال صاموا، أو سبب الإفطار من غروب الشمس أفطروا، والصحابة كان يصوم بعضهم في السفر والبعض الآخر يفطر، ولا ينكر بعضهم على بعض، ولا يختلفون بينهم، بل يقبلون ذلك التنوع، فيعود أثر ذلك إلى المسائل العلمية التي كل قوم لهم فيها مستند.
الفائدة الحادية والستون:
مهما اجتهد الإنسان في رمضان إلاّ أن ما كتبه الله من النقص البشري على الإنسان سيؤدي إلى وجود خلل في الصيام أو نقص عن الكمال، ومن هنا شرع للصائم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهذا له دور في طرد العجب بالعبادة ولو اجتهد فيها الإنسان، وحتى الصلوات الخمس تربي في النفس ذلك، فبعدها يستغفر المسلم لينبهه الله على وجود النقص ولا بد، فلا يغتر بكثرة صيام ولا صلاة.
بل يستعين بالله على أداء العبادة قبلها، ويجاهد نفسه فيها، ويسأل الله القبول بعدها.
الفائدة الثانية والستون:
تشريع المفطرات في رمضان و النهي عنها تدريب للمسلم على تعظيم حرمات الله، والوقوف عند حدود ما نهى الله عنه، ومن هنا قال الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان "احترقت ــ هلكت". فيتعلم المسلم الوقوف عند حدود الله، وأن تجاوزها هو الهلاك والحريق بعينه.
الفائدة الثالثة والستون:
رمضان يغير على الفرد و الأمة نمط حياتها العادي؛ ففي رمضان يحيي الليل ويصام بالنهار، وتُقام الجماعات، وتجمع النوافل، وتغيير نمط الحياة له دور على النشاط والاستمرار؛ فإن النفس البشرية مفطورة على ذلك.
الفائدة الرابعة والستون:
رمضان يزرع مبدأ التعاون بين أفراد الأسرة الواحدة، وكذلك بين المجتمع فتجد الأسرة الواحدة في رمضان تتعاون فيما بينها على صنع السحور والاستيقاظ له وتقديم الإفطار وخدمة الغير، وكذلك الحال في المجتمع، وهذا أحد أسرار نجاح المجتمع الإسلامي وخصائصه، فالنظم الغربية اليوم على تطورها الدنيوي لم تصل بالمجتمع إلى حد التعاون والبذل، فضلاً عن الإيثار والتضحية من أجل الغير بدون مقابل مادي، لكنه الإسلام دين الله.
الفائدة الخامسة والستون:
رمضان يتعلم فيه المسلم التعرض لنفحات الله سبحانه؛ ففي ليالي رمضان تُعتق رقاب من النار، ويخرج أناس من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، كما ثبت في السنة فتجد المسلم الصادق يتعرض لنفحات الله لعله يفوز، وحتى بعد رمضان يتعرض لنفحاته سبحانه ويتحيّن مظانها.
الفائدة السادسة والستون:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم ليلة القدر، وخرج يريد إخبار الناس، فوجد رجلين يختصمان فأنسيها.
هذا يدل على أن المخاصمات والمنازعات في المجتمع الإسلامي لها أثر في نزع البركة عنه، ومن هنا يجب أن يسعى الواحد ألاّ يكون سبباّ في محق البركة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيعفو ويصفح، فإن عاقب فليعاقب بالمثل ولا يزيد، أما النزاع والخصام فهو مبدأ البغض ويقود للشقاق، ومن خلاله يدخل العدو، وبه يرضى الشيطان فأي بركة تُرجى بعد ذلك.
الفائدة السابعة والستون:
اغتنام المسلم لشهر رمضان تفسير للتبرك، فهو شهر مبارك تزداد فيه الحسنات وتقل السيئات، وتكثر مشاريع الخير، ويتضاعف الأجر، فيحرص المسلم على استغلاله، ويحذر من ضياعه، وهكذا يتعامل مع كل ما جعله الشرع مباركاً كالمساجد، وأهل العلم والصالحين بمجالستهم والاستفادة منهم، والتخلق بأخلاقهم والتعلم منهم دون الخروج بهم عما حدده الله وشرعه.
الفائدة الثامنة والستون:
قلة أيام رمضان التي وصفها الله بقوله (معدودات) تربي في نفس المسلم المحاسبة، فكلما تقدم الشهر حاسب نفسه، فإذا انتهى ووُزّعت جوائز الفائزين أنهى محاسبته في ذلك الشهر ليبدأ بغيرها.
الفائدة التاسعة والستون:
رمضان فرصة لأئمة المساجد على وجه الخصوص لتربيتهم على نفع المصلين والاهتمام بشؤونهم، وألاّ يقتصروا على الصلاة وحدها، بل يتجاوزوا ذلك لإلقاء الكلمات والمشاريع الاجتماعية، وكفالة الأسر الفقيرة؛ لأن المسجد في الزمن الأول هو منطلق الدعوة، ومعقد الألوية للمعارك، ويربط فيــه الأسير، وتنشــر فيــه الدروس، بل إنه كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- مأوى الفقراء؛ فقد كان أهل الصفة ينامون فيه، وذلك كله مرتبط بالإمام، ومن أعظم الأمانات في زماننا أمانة إمامة المسلمين والقيام بواجبها.
الفائدة السبعون:
في ساعة الإفطار يجتمع أفراد العائلة على مائدة واحدة ينتظرون بداية الأذان يحيطون بوالدهم ووالدتهم، يسأل بعضهم عن بعض، كثيراً ما تكثر الطرائف والحديث عنها، وأحسن منه إذا لهج الجميع وتمتموا ببعض الأدعية، كل منهم على ما يقع في خاطره مما يعتبره مهماً بالنسبة له، الإخوة مع الأخوات والصغار بجانبهم، يحسون بالطمأنينة، ويتذوقون اللذة، ولا يعرفون لها سبباً، يتحلقون في منظر أخوي عائلي جميل وفي ذلك فوائد جمة:
أ- زرع الألفة بينهم.
ب- إزالة الفجوة بين أفراد العائلة.
ج- لقاء خصب بالنسبة للوالدين.
د- زرع روح التعاون بينهم.
هـ- خدمة بعضهم البعض.
الفائدة الحادية والسبعون:
رمضان يعين أهل المعاصي على تركها، فمثلاً:
أ ـ المدخن يعينه رمضان على ترك التدخين.
ب ـ شارب الخمر يعينه كذلك.
ج ـ أهل الأغاني كثيراً ما يتركونها في نهار رمضان فيبقى عليهم المجاهدة في وقت الليل.
بل إن جميع من يمارس المعاصي يدرك في قراره نفسه الفرق بين فعلها في رمضان وغيره من الأيام، فمن أورثه الله الصدق في رغبته بترك معصيته فلن يمر عليه رمضان بدون تفكير جاد ومجاهدة، ومن استعان بالله لم يخذله كما وعد سبحانه؛ فهي فرصة لمن يريد أن يوجد سبب قهري يعينه على ترك معصيته.
الفائدة الثانية والسبعون:
رمضان يعظم في النفوس تعظيم نعمة الله، وذلك لأن الأشياء لا تدرك قيمتها إلاّ بفقدها، والأمور تُعرف بضدها، فالمآكل والمشارب نعمة ومع توفرها ووفرتها وكثرتها واعتيادها تغفل النفوس عن تعظيمها، وتعظيم النعم وشكرها ضمان دوامها.
الفائدة الثالثة والسبعون:
رمضان يربي الناس على تعظيم أوامر الله، وذلك بأداء هذه العبادة الشريفة؛ لأن أداء الأوامر يربي تعظيم الله وأوامره في النفوس، والتعظيم قائم على المحبة ومرتبط بها وهي أساس الأعمال القلبية، فالتعظيم أمر قلبي تظهر آثاره وكمال صدقه على الجوارح بامتثال الأوامر وترك النواهي.
الفائدة الرابعة والسبعون:
رمضان يربي الشخص على أن تصدر أفعاله عن قناعة وعقيدة، لا تقليد وتبعية؛ فبإمكان الشخص أن يفطر سراً في نهار رمضان، ويتلذذ بأنواع المفطرات إن فقد العقيدة والقناعة، فأما صاحب العقيدة والقناعة فالأمر مختلف جداً، ومتى صدرت أفعال المؤمن عن اعتقاد وقناعة كانت مثمرة بإذن الله، ورزق الصبر ووجد لذته فيها.
الفائدة الخامسة والسبعون:
الصيام له أثر على صفاء النفس والذهن، فيرجع الذهن خالياً عن المشاغل، والنفس متخففة من أعبائها وأثقالها التي تراكمت فأصبحت تحول بين صاحبها وغذاء روحه، ومن عرف ارتباط الشبع وأثره على النفس والذهن أدرك فضيلة الصيام في هذا الجانب.
الفائدة السادسة والسبعون:
رمضان يربط الأمة بالليل من بين سائر الأوقات، وذلك لما له من التميز الذي تحتاجه الأمة ومنه:
ـ صلاة الليل مشهودة محضورة أي تشهدها الملائكة.
ـ وليس لها عدد معين محصور فهي مثنى مثنى.
ـ يسن فيها الجهر؛ لأنه أشد أثراً في حضور القلب.
ـ ليس فيها وقت نهي كما في الأوقات الأخرى.
ـ في ثلثه الأخير ينزل ربنا سبحانه ثم ينادي عباده.
الفائدة السابعة والسبعون:
كما أن الصيام يربي عند الأمراء والوزراء المساواة في العبادة مع غيرهم، ولا تميز في ذلك إلاّ بما يقوم في قلوب العباد من التقوى، فكذلك يربي في نفوس الفقراء والضعفاء أثر التدين، وأنه بهذا الدين فقط ساوى الله بينه وبين الطبقة العليا، وذلك تكرمة من الله بدينه، وذلك يورث في النفوس عظمة الدين.
الفائدة الثامنة والسبعون:
في رمضان وعند الإفطار يحس الإنسان بفرحة ذكرها صلى الله عليه وسلم بقوله "للصائم فرحتان فرحة عند فطره"، وهي فطرية تُحس ولا توصف، لما لها من اللذة، وقد فسر بعض أهل العلم تلك اللذة بأنها لذة الفراغ من العمل وتأديته لا مجرد لذة الأكل.
فعلى هذا فالصيام يجعل الشخص يتذوق لذة الفراغ والانتهاء من الأعمال الصالحة، فبعد الانتهاء من الصلاة أيضاً لذة، وبعد الصدقة كذلك لذة، ولذة بعد العمرة وهكذا.
الفائدة التاسعة والسبعون:
رمضان شهر صلة يتصل فيه العبد بربه، والمؤمن بعبادته والمجتمع ببعضه البعض، والأغنياء بالفقراء، فتوصل الأرحام وتزداد المحبة وتتقارب القلوب.
الفائدة الثمانون:
رمضان رسالة إلى كل من مارس الظلم ومنع الحقوق؛ فالجوع قاسم مشترك بين الصُوّام وألم العطش يحرق الجوف، فمن مارس الظلم ومنع حقوق الناس في أكلهم وشربهم وسائر ضرورياتهم جاء رمضان ليذكره بآلامهم وأحزانهم، وما يقاسون من صبر ومصابرة، فلعل ذلك يكون رادعاً له عن الظلم، فعادة لا ينتبه الإنسان من غفلته إلاّ إذا مر به ظرف مشابه لما يمارسه مع الآخرين.
الفائدة الواحدة والثمانون:
رمضان يذكر الإنسان أنه فرد من المجتمع يصوم معهم، ويجوع مثلهم، ويمتنع كما امتنعوا، ويفطر إذا أفطروا، فهو منهم وبهم، فإذا أحس المسلم بهذا الشعور بادلهم النفع والمحبة والغيرة، فيحرص على ألاّ تغرق السفينة، ويمسك على يد من سعى في خرقها؛ لأنه من ضمن ركابها، ويتحمل شيئاً من مسؤوليتهم.
الفائدة الثانية والثمانون:
رمضان يجمع لأهله القوتين المادية والمعنوية، فالقوة الصحية والجسمية في الجانب المادي، وما سبق ذكره وما سيأتي من الثمرات يعتبر من القوة المعنوية.
الفائدة الثالثة والثمانون:
رمضان هو الحرية حقاً؛ لأن الحرية كما يقول السباعي رحمه الله: "ألا تستعبدك عادة ولا تستلذك شهوة".
وهذا ما يثمره الصيام في نفس المؤمن؛ فلا يكون عبداً لعاداته ولا أسيراً لشهواته.
الفائدة الرابعة والثمانون:
يقول السباعي رحمه الله: "وفي رمضان امتناع عن خلق ذميم وقول ذميم ومعاملة ذميمة، فما أحلى هذه الحرية؟!
أنت في الخلق الكريم حر؛ فلا تُساق إلى محكمة، ولا توضع في سجن، ولا تُنتقص في قدر ولا جاه.
وأنت في القول الكريم حر؛ فلا تضطر إلى اعتذار، ولا تتعرض لملامة، ولا يملأ نفسك ندم.
وأنت في المعاملة الكريمة حر؛ فلا تلوكك الألسن، ولا تتحدث عن خيانتك المجالس ولا تتعلق بذمتك الشبهات" أ. هـ.
الفائدة الخامسة والثمانون:
يقول السباعي رحمه الله: "رمضان شهر الرجولة المستعلنة التي تكبح جماح غرائزها، وشهر الإرادة المستعلية التي تأخذ باختيار وتدع باختيار" أ. هـ.
الفائدة السادسة والثمانون:
رمضان يربي ركني الأسرة المسلمة على أهم قضية في الوجود، وهي التعاون فيما بينهم على الطاعة وعبادة الله وتسهيل شؤونها للآخر دون سائر الأمور؛ لأن التعاون على أمور الحياة المادية ضروري ولا يحتاج إلى تنبيه، أما التعاون على مبدأ العبادة فيحتاج إلى جهد ومشقة ومجاهدة ومصابرة، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر "أيقظ أهله وشد مئزره"، وساعدهم على أنفسهم في قيام الليل، وشجّعهم وباشر معهم العبادة بنفسه، فينقضي رمضان وقد تعلمت الأسرة المسلمة التعاون على العبادة والنوافل فينشأ الأطفال على ذلك.
الفائدة السابعة والثمانون:
رمضان يربي الجوارح على صيامها عن المنكرات والفحش والزور، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
فيتدرب المسلم شهراً كاملاً على ترك المنكرات، وأنها تناقض مقصود الصيام، فيعود ذلك عليه بالنفع؛ لأن الغالب من المعاصي تتحول إلى عادات مع الاستمرار عليها، فإذا غفل عنها أياماً سهل تركها.
الفائدة الثامنة والثمانون:
رمضان يعلّم الناس التوازن في الحياة، فمن التناقض أن تصوم عن المفطرات الحسية وتقع في المفطرات المعنوية، ومن التناقض طاعة الله في جانب وعصيانه في الجانب الآخـر؛ فرمضان مدرســة للتوازن في حيـاة المسلم، فأوامر الله كلهــا تُطاع، ومناهــي الله تُجتنب، ومـن هنا قال صلى الله عليه وسلم "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "؛ ليبين أن التناقض ينبغي ألاّ يوجد في حياة المسلم، فإذا خلا بمحارم الله لا ينتهكها، ولا يطيع في الحضر ويعصي في السفر، أو يتقي في النهار ويفجر بالليل.
الفائدة التاسعة والثمانون:
رمضان فرصة لممارسة الحب العاطفي والمحبة القلبية بين الزوجين، ومن هنا "كان صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم".
حتى يعلم الأمة أن العلاقة بين الزوجين تتعدى حدود الشهوة والمعاشرة إلى الحب والعاطفة، مما يعود على حياتهما بالسعادة التي يحتاجها كثير من بيوت لمسلمين.
الفائدة التسعون:
الصيام يكفر الخطايا والذنوب كما في حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم". متفق عليه.
فإذا وعى المسلم ذلك عاد عليه بالفرحة الإيمانية والتهيؤ لمستقبل الأيام.
الفائدة الحادية والتسعون:
الشريعة الإسلامية لا تربي أتباعها على الرهبانية المنقطعة بقدر ما تربيهم على أداء العبادة الحقة، كما يريد الله وعلى الوجه الذي أمر به سبحانه، والصيام أحد الأدلة الشرعية على هذه القاعدة ووجه ذلك ما يلي:
ـ لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الصوم نهاه.
ـ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال.
ـ ونهى صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر وقال: " لا صام من صام إلى الأبد ".
الفائدة الثانية والتسعون:
الصيام جنة كما ثبت في الحديث، والمراد أنه حماية وصيانة وستر، وهو كذلك، فيحمي المسلم عن نار جهنم، ويباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً، ويصونه عن الأمراض، ووقاية له من تسلط الشيطان، وحماية له عن الشهوات، ويصون الإيمان عن النقص، والأخلاق عن الرذائل، ولذلك ـ والله أعلم ـ أطلقت كلمة "جنة" ولم تقيد حتى تشمل جميع الصور.
الفائدة الثالثة والتسعون:
الصيام يربي على الترفع عن الجهل بأنواعه فقال صلى الله عليه وسلم "ولا يجهل " والمراد أفعال الجهل من صياح وصراخ وغير ذلك، ولا يعني النهي عنها في رمضان جوازها في غيره، لكن في رمضان يتأكد النهي، فهي فرصة لأن يتعود المسلم الترفع عن أفعال الجهل والجاهلين والإعراض عنهم والتزام الآداب والعقل الراجح.
الفائدة الرابعة والتسعون:
في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين" في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين بيان من الشرع، على أن الاحتياط لا يعمل به دائماً، وأن الاحتياط موافقة الشرع والوقوف حيث نهى.
الفائدة الخامسة والتسعون:
كذلك في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فيه تحذير للناس من الشذوذ ومخالفة الجماعة، فلا يُنظر إلى ذات العمل هل هو شرعي أم لا فقط دون اعتبارات أخرى لها تأثير في الحكم؟ فالصيام من حيث ذاته عمل صا